مركز ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية، هيئة مستقلة غير حكومية، ترى في الحوار الحر والبناء بين الثقافات والحضارات، أسلم طريق لبناء مجتمعنا البشري، وتعتقد أن السلام بين الشعوب على كوكبنا، ونبذ العنصرية والأفكار والممارسات التي تدعو إلى الكراهية والاستعلاء والتطرف، هي ثقافة القرن الحادي والعشرين بأمتياز
» اصدارات
    حسين عجة
    تأليف: محمود ديب
    ترجمة وتقديم: حسين عجة

    في هذا النص القديم والطازج في آن معاً، وكأنه مكتوب للتو، لن يجد القراء، للأسف الشديد، الصور الفوتغرافية التي ترافقه والتي يظهر القسم الأكبر منها مراحل من طفولة الكاتب الكبير محمود ديب مع أمه وأخواته اللواتي لم يمل من الحديث عنهن، كشموع للمحبة والعطاء، كما يتحدث فيه عن صورة لطفل ما عاد يعرفه، هل هو نفسه ؟ هل هو آخر لا يمكن تفسير حضوره وسط ألفة العائلة وحميمة علاقتها ؟ لكن غياب الصور لن يخيب أمل أو متعة القاريء، مادامت لغة ديب ترفع الكتابة نفسها ليس إلى موقع الصور، ولكن إلى ما فوق الصور، إلى وجود الحياة نفسها، التي تكاد تكون قد غيبت حتى في المرحلة اللاحقة التي تأمل فيها ديب صور الماضي، فكيف إذا ما كان الأمر يتعلق بالمرحلة التي نعيشها نحن ؟ ومع ذلك، سنكتشف هنا، أي في موقع الكتابة، تلمسان، ليس الحنين على أشياء وكائنات الطفولة، ولكن العالم نفسه بكل ما فيه من لحظات تحدي وانتصار، وما ينطوي عليه من خيبة للآمال والوعود التي يقطعها لنا، ضمن أفق تجدده المحير، أو حتى اختفائه المباغت. لذا يمكننا القول بأن موقع الكتابة هو نفس درب التعلم الأدبي الذي يلتقط ديب بحساسية استثنائية إشاراته الثقيلة، ولكن أيضاً معايشته ضمن المواقف العديدة التي لا بد على الكتابة من موجهتها، أو بشكل أدق المواقف التي ترغم الكاتب على الوقوف عندها والخوض في تفاصيل ما تطرحه علينا. يتجلى هنا أيضاً المكان الذي يحتله الآخر، الصديق الذي يدخل بوسائله الخاصة ضمن العمل الأدبي الذي نشرع به نحن. وكمثال على ذلك، كما يقول ديب نفسه، يخالطنا أحياناً الشعور بأن المصور الذي أخذ تلك الصور هو الكاتب نفسه، فيما هي مأخوذة، في الواقع، من قبل آخر قريب إلى الشعور والعاطفة حد اختفاء الفارق الأول ما بين الأنا والآخر. ومادام الأمر يرتبط بقوة بالحياة نفسها، سنكون نحن أنفسنا، بالضرورة، شهوداً على انفجارها الحبي وتقاسم الناس البسطاء لعطائها، مهما كانت ندرته والفقر الذي يعبث فيه؛ من هنا ليس من المبالغة القول بأن كتابة ديب تخلق أثناء تطورها عرساً يهدي نفسه ليس للأنا الفردي وتشكل وعيه، بل لمجموع الظواهر والقرينة الإنسانية التي تحيطه ويرتوي من ينابيعها التي لا تحصى. ففي كل خطوة يشرع بها الكاتب، يتولد لدينا إحساس بأن مجال النظرة الذاتية سينفتح على أبعاد وقارات لم نكن نعرفها من قبل، لكنها تمنح ذاتها عفوياً، لكي تشكل في النهاية مشهد الوجود وأشكاله الثرية، التي ستجعلها الكتابة نوعاً من تقاسم الملموس المعاش، لمسه أو القبض عليه بسخونته، وليس عبر التأملات التجريدية التي يطرحها الوعي كتصورات على الحيز الفردي للكائن. "عمل سري من التطابق والتماثل حيث يَرسلُ الشعور والمنظر الطبيعي صورتيهما الواحد نحو الآخر". وحيث "تتحور تلك العلاقة دائماً، بعد تبلورها، وينفتح الخارج على الداخل، لكي يغدو موضوعاً للتخيل، مادة للمصدر، طرف قصي للحنين". ذلك ما يقوله لنا محمود ديب عن المعايشة المرهفة لطرفي المعادلة، أنا والموضوع، اللذان يرفعهما "المُتخيل" حد التداخل لكي يصبحا، كليهما، "طرف قصي للحنين"، ينبوع الصور وخطوط الذاكرة، حتى يتم عجنهما وبلورتهما دائماً في فضاء المعاش الذي تخطفه المخيلة وتلون عوالمه. عن مراحل الكتابة، الطفولة، الخبز، العائلة، السفر، والآخر، الأوروبي الذي يغير حتى أسماء الأماكن ويضفي عليها طابعه الخاص، وكذلك عن السفر والفلاحين، أي مجيء أطياف العالم برمتها، يتحدث، في هذا النص المكثف، صاحب كتاب "من يذكر البحر". لكنه يتحدث أيضاً عن جدته وعن الجزائريين (الإرهابيون) في زمن المستعمر يتحدث ديب بلغة منْ تصفح كتاب العالم وعرف تموج أوراقه وتغير أزمنته.
    التفاصيل»
    © 2009 - 2013 Sharjahmisan.com All rights reserved
    Designed by Sillat Media & Managed by Ilykit