يقفز السؤال الجدلي في معنى الفن.. وبشكل خاص فن الرسم، هل هو معني فقط بالرؤية الجمالية وسحر الصورة والخيال والتجريد المحض، وكل ما له بالغرائبية خارج الواقع المعاش؟، أم أن الفن هو المضمون وإثارة الحوار الفلسفي لما يجول في خاطر الإنسان وواقعه المتقلب؟. هذا ما كان ولازال يجول في خاطر النقّاد ومؤرخي الفن لحد الآن.
لكن وظائف الفن التشكيلي تتعدى بكثير هذين المفهومين، على أعتبار أنه عمل انتاجي فكري وجمالي وذوقي، يسمو على الكثير من الاعتبارات والبديهيات المحددة بشروط. فبماذا نسمي أو نحتكم لأعمال الفنانين العفويين، أو (الفطريين) الذين لم ينهلوا من المدارس والمذاهب الفنية، غير أن نطلق على أعمالهم (الغرائبية في معظمها) أنها تمثل نمط وسلوكية الفنان وواقعه وخياله الخصب، ولنا دليل على ذلك في أعمال الفنان الفطري العراقي (منعم فرات) وكذلك أعمال الفنان المصري الشيخ رمضان سويلم التلوينية، على سبيل المثال لا الحصر.

كذلك في الأعمال البنائية الحديثة، والميديا آرت التي تهشم الكثير من المفاهيم وتخرج بالفن من قاعاته المغلقة واللوحة المسندية ذات الابعاد المعروفة، إلى الفضاء الأوسع في الشوارع والساحات والحدائق والأبنية المختلفة الاغراض.
تقودني هذه المقدمة للحديث عن (الفن المفاهيمي) الذي نشأ في امريكا والغرب بداية خمسينيات القرن المنصرم، كما أنطلقت بقية المذاهب والمدارس الفنية الاخرى في هذه الدول، والذي بالأساس تبنى تحول مفهوم الجمال الفني لجمال الفكرة، والتعبير عنها بأي خامات أو وسائط فنية متاحة، كرد فعل على مسايرة التطور التكنولوجي الآخذ بالاتساع والتشظي. من هنا تزاوجت فكرة الرؤية الجمالية والإبداعية، برؤية المضمون وتوظيف الفن للهدف الإنساني ومعالجة اشكاليات وجوده. كما يمتنع الفنان المفاهيمي أن تكون أعماله سلعة متداولة في سوق الفن، بقدر ما تكون أفكار مشاريع يتبناها هو أو مؤسسات تعنى بقضايا الإنسان ووجوده الحي.