بعد سقوط النظام البائد تأسس عدد كبير من المكتبات في مدن العراق المختلفة مما ساهم في دفع المشهد الثقافي وتقدمه إلى أمام، ووجود هذا العدد من المكتبات وتعدد المصادر المعرفية فيها ساهم في زيادة عدد القراء ومنحهم حرية اختيار المطبوع الذي يتناسب مع معتقداتهم و توجهاتهم ومشاربهم،
وهذا الشأن يعتبر ثمرة من ثمار الديمقراطية الوليدة في عراقنا الجديد التي وفرت للمواطن أجواء الحرية المناسبة في ممارسة حقوقه الإنسانية المشروعة في مناحي الحياة المختلفة ومنها الناحية الثقافية التي كان لأجواء الحرية السائدة ووجود المكتبات العامرة بمصادر المعرفة المختلفة عامل مهم في إنضاج مشهدها الحي، ومدينة العمارة من مدن العراق الجنوبية التي نالت حظا وافرا من الحرية الثقافية التي تجلت بافتتاح عدد من تلك المكتبات التي انتشرت في مناطقها التجارية وأحيائها المختلفة مما سهل كثيرا من مهمة مواطنيها باختلاف أعمارهم إن ينهلوا من كتبها غذائهم الثقافي والعلمي بعد حرمان عقود الظلم والاستبداد الماضية.ومقارنتا بشحة تلك المكتبات سابقا وكثرتها في الوقت الحاضر حفزنا على البحث والتدقيق لمعرفة تأريخ تأسيس أول المكتبات العمارية وأهم روادها والأجواء الثقافية التي كانت سائدة حينذاك وقد كانت نتيجة تحقيق هذا المبتغى بتوجه (الاتحاد) إلى سوق العمارة الكبير ولقاء الحاج حيدر حسين صاحب المكتبة العصرية وهي أول مكتبة تأسست في مدينة العمارة الذي تحدث قائلا:
ـ تأسست المكتبة العصرية في عام (1929م) بموجب إجازة رسمية صادرة من مديرية الدعاية العامة حينذاك ومؤسسها المرحوم الحاج عبد الرحيم الرحماني وكانت في بداية تأسيسها مخزنا لبيع الكتب المدرسية وقرطاسيتها ولوازمها الأخرى وذلك لعدم وجود مجانية التعليم في ذلك الوقت كما كانت تباع فيها اللوازم الرياضية ومنها بنادق الصيد واعتدتها، ومن الأمور المهمة التي يجب ذكرها هي تواصل العمل ببيع الصحف والمجلات في المكتبة منذ تأسيسها والى يومنا هذا، وقد استقبلت مكتبتنا وباعت المجلات المصرية واللبنانية منذ أربعينيات القرن الماضي كما إن اغلب الصحف وخاصة العراقية كانت ترد وتباع في مكتبتنا ومنها سابقا صحف الزمان والاستقلال والنبأ والأمة واليقظة والأهالي والصحف العمارية أيضا كالميزان والفيلسوف وصوت الجنوب والهدى إلا أن الصحف لم تصل بسرعة وانتظام سابقا وذلك لعدم وجود طريق معبد بين العمارة وبغداد في تلك الفترة فالأمطار كانت غالبا ما تأخر وصول المطبوعات يومين أو ثلاثة أو أسبوع أحيانا، وأضاف الحاج حيدر بأن قراء الأمس كانوا قليلي العدد أما الآن فعددهم بتزايد مستمر وهذا يعود إلى أجواء الحرية المتوفرة وتحسن القدرة الشرائية للمواطن وتعدد المطبوعات واختلاف محتوياتها.
من هم رواد مكتبتكم في مراحلها المختلفة ؟
إن زبائن مكتبتنا هم من مختلف شرائح مدينة العمارة وقد تردد على المكتبة بفترات مختلفة عدد من الشخصيات المعروفة ومنهم الشاعر الكبير المرحوم محمد مهدي ألجواهري في فترة إبعاده إلى مدينة العمارة في خمسينيات القرن الماضي حيث تردد في تلك الفترة أيضا المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني الذي كان سجينا في سجن العمارة المركزي حيث كان يغتنم الفرصة بشراء الصحف أثناء مراجعته للمستشفى الملكي القريب من المكتبة التي زارها أيضا المرحوم حقي ألشبلي عميد المسرح العراقي الذي تردد على العمارة عدة مرات لأغراض التفتيش كما تردد على المكتبة عدد آخر من الأدباء والفنانين من عائلة ألمطلبي والفنان التشكيلي شوكت الربيعي والخطاط العالمي المرحوم عبد الرضا القرملي وعدد أخر لم تحضرني أسمائهم.
ماهي أهم معوقات عمل المكتبة ؟
إن العمل في مجال عملنا هذا يحتاج الى صبر وتحمل وخبرة فنحن نتعامل مع شرائح مختلفة الأذواق ونجاحنا يعتمد على التعامل مع الجميع بصورة حسنة وبتوفير ما يحتاجه القارئ، ومن أهم معوقات عملنا سابقا هي تعرضنا إلى خسارة مادية كبيرة في عهد النظام البائد حيث كان المقبور عدي يفرض على جميع وكلاء البيع في المحافظات صحفه (بابل والبعث الرياضي) وبكميات كبيرة وبدون مرتجع أما الآن فالحمد لله فشركات التوزيع متعاونة معنا إلى ابعد الحدود والكميات التي ترد إلينا من الصحف والمجلات هي الكميات المطلوبة من قبلنا فقط .
هل تخصصت المكتبة بأعمال أخرى وماهو أهم المطلوب منها ؟
وقد أجاب على سؤالنا الأخير شريف عبد الحسين (60 عام) احد العاملين في المكتبة منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي قائلا: إن المكتبة كانت تضم سابقا مطبعة صغيرة قديمة الصنع وهي ألمانية المنشأ، وأتذكر إننا كنا نرتب أحرفها بطريقة يدوية بدائية متعبة قبل أن نباشر بأعمال الطباعة المختلفة وحسب طلب الزبائن من بطاقات الدعوى للأعراس وكارتات الأعياد والعناوين الخاصة، مضيفا إن هذه المطبعة تم إيقافها عن العمل وذلك لاستيراد المطابع الكبيرة والحديثة التي انشرت في مختلف مناطق العراق، أما أهم مايطلبه عدد كبير من المترددين على المكتبة من المواطنين وخاصة الموظفين منهم هو الصحف التي ترد فيها معلومات عن سلم الرواتب أو عن قانون التقاعد ورواتب المتقاعدين النهائية.
موقع : ( الجيران )
09/05/2007