مركز ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية، هيئة مستقلة غير حكومية، ترى في الحوار الحر والبناء بين الثقافات والحضارات، أسلم طريق لبناء مجتمعنا البشري، وتعتقد أن السلام بين الشعوب على كوكبنا، ونبذ العنصرية والأفكار والممارسات التي تدعو إلى الكراهية والاستعلاء والتطرف، هي ثقافة القرن الحادي والعشرين بأمتياز
    شارع في الذاكرة
    18/07/2009

                     مَـلَــكي -  جمهوري .......... معارف -  تربية
    خلال أربعينيات وخمسينيات القرن السابق كان هنالك في العمارة معـلمٌ من أخوننا المسيحيين (المواصله الأفاضل) يدعى (سعيد مَلَــكي ) متزوج من معلمة فاضلة تدعى ( الست فكتوريا ) ولهم ابنة وحيدة اسمها (ناديه) وكانوا من سكنة شارع المعارف


     وكنت أعرفهم جيداً فهم من روّاد دار السينما التي شيدها والدي الحاج عبدالرحيم الرحماني رحمه الله عام 1950كذلك كانوا من زبائن مكتبتـنا ( العصرية ) ...عائلة ملكي الكريمة هذه نقلت سكنها من العمارة الى بغداد عام 1959 بعد ان التحقت ابنتهم للدراسة في كلية البنات الملغاة - كلية الملكة عاليه سابقاً – جامعة بغداد.
    وعندما  تم تغيير النظام الملكي الى جمهوري تبدلت كافة الأسماء المكنّـاة بالملكيّــة ( فالحرس الملــــكي أصبح الحرس الجمهوري  والمستشفى الملكي أصبح المستشفى الجمهوري..الخ)..وإذا بأحد العماريين الظرفاء (وما أكثرهم)  يقترح على الأستاذ سعيد ملـكي قائلاً له :- بس انت يا أستاذ أبو ناديه بقيت مَلَـكـي ! .. فـلماذا لا تغيّر اسمك الى ( سعـيـد جمهوري؟ ) . فأجابه الأستاذ سعيـــد :- إي قابل آني مستوصف ملكي لو قوة جويّه ملكيه.. لو سلام ملكي  هذا هو اسم عائلتي...تلك المحادثة كانت برمتها  ملاطفة بين ذلك العماري الظريف الساخر والأستاذ الفاضل سعيد ملكي..وقد جعلتُ منها باباً أدخل من خلاله الى موضوعنا الأساس وهو الحديث عن أشهر شارع  في مدينة العمارة( شارع المعارف -التربية حاليّاً ).
    لــم اعثر على مصدر موثوق أو غير موثوق يؤكد ان مديرية المعارف ( وعلى مَرّ العقود ) كانت تقع ضمن مسار هذا الشارع لكي يسمّى باسمها  كذلك لم أعثر على تاريخ تسميته بشارع المعارف فقد كان يعرف في العهد العثماني بشارع( التـكيه) والغالب( كما يستذكر والدي) ان هذا الاسم اطلق عليه في أواخر عشرينيات القرن المنصرم ..وقد بقي هذا الشارع على مدار العقود أرضاً خصْـبةً لغرس المعرفة والثقافة فقد احتوى المكتبات والمدارس وصالونات الحلاقة والدكاكين التي كانت ولا تزال ملتقاً للمثقفين وأهل المعرفة ومن ذا الذي ينسى المكتبة العصرية  ودكانة الأديب والشاعرخليل رشيد الحلاق والد المخرج المسرحي المشهور فاضل خليل ودكانة عارف الحلاق ودكانة ناصر غيلان الحلاق شقيق الشاعر المخضرم كاظم غيلان ..لقد شيّدت على هذا الشارع اول مكتبة أنشأها عبدالرحيم الرحماني عام 1921(بـِـلا إسم) ثم حوّلها الى موقع آخر وبنفس الشارع سمّيت بالمكتبة العربية مشاركة مع السيد عبدالمطلب الهاشمي (رائد الحركة الصحفية في البلدة) عام 1928 وفي سنة 1929 سميّت بالمكتبة العصرية لصاحبها عبدالرحيم فقط . وتشغل موقعها حالياً مكتبة المعارف ( لصاحبها حسام محمد الرحماني قبل ترشيقها بسبب توسيع الشارع) .. ثم نقلها عام 1950 الى موقعها الحالي في تقاطع شارع المعارف  ( التربية ) مع السوق الكبير ومالكها الحالي هو الحاج حيدر حسين داود ( ربـيـبها البار).  ثم افتتح الشيخ مرزه الأنصاري (في الأربعينيات) مكتبة النجاح وقبالتها افتـُـتِـح مخزن الأخوين شاكر وابراهيم الهاشمي الذي تطور الى مكتبة أيضاً في النصف الثاني من خمسينيات القرن المنصرم بعد انتقاله الى موقعه الحالي ( مقهى مِنشد سابقاً ) وحلت محله بعد 14 تموز 1958مكتبة اتحاد الشعب ( مكتبة الحزب الشيوعي ).
    كما كان الشارع  يحتضن كافة عيادات الأطباء والصيدليات ومكاتب المحامين والمطبعة الرحمانية التي  انشأها عبد الرحيم  أيضاً سنة1941( في خان توينه) وألحقها  بمكتـبته ( العصرية ) عام 1951...كما كانت تقع على ثلاثة أركان من تقاطعه مع شارع بغداد العريق  1-  صيدلية هنري لوقا  التي شغلت موقعها مكتبة الأهالي (مكتبة الحزب الوطني الديمقراطي)2- دائرة البريد 3- مقر جمعية الطليعة للتمثيل ... كما كان في الشارع  ستة مدارس عريقة هي 1- مدرسة الإمام الصادق الابتدائية للبنين. 2-  مدرسة فيصل الثاني للبنين. 3- المتوسطة المركزية للبنين 4- ثانوية العمارة للبنات التي شيدت عام 1935 كمدرسة ابتدائية ثم كمتوسطة للبنات. 5-  وقبالتها كانت تقع  ابتدائية الفيحاء للبنات ومسرحها العتيد أول المسارح الخمسة في المدينة والمشيّد مع المدرسة في  ثلاثينيات القرن الماضي.6- وأخيراً وفي آخر الشارع  وقبيل تقاطعه مع شارع دجله  تلتقيك مدرسة النهضة الابتدائية للبنات التي كان الدوام فيها( صباحي– مسائي) بالاضافة الى احتواءه على بسطيات الكتب والصحف والمجلات  .
     ان كل ما جاء في أعلاه جعل من شارع المعارف بلـّـورة مشعّة للمعرفة والثقافة ومنتداً رحـْـباً  للمثقفين وطلاب الحَرْف والقلم والقرطاس..ولعَمري أنه قد استحق ذلك الاسم كما يستحق إعادته  إليه الآن كإسمٍ  على خـيـــر مسمّى ...شـــارع المعــارف.
     نعــود الى بيت القصيد في حديثنا هذا..ألا وهو الجدوى من تبديل اسمه المعبـِّـر عن جوهره الى تسميته الحالية ( شارع التربية) تناغماً مع تبديل اسم الوزارة  ومديرياتها  من (المعارف الى التربية) .. وكأن الأيام قد عادت لتستعيد حكاية الأستاذ سعيد ملكي ولكن مع استاذ جليل آخر هوالأســـتاذ ( أحمد الناصر) ذلك الموظف الأريحي المخضرم القدير الذي قضى حياته الوظيفية كلها في مديرية معارف لواء العمارة الى أن تكـنّى بها واصبح يدعى من قبل جميع  العماريين آنــــــذاك بـ ( أحمد معارف )..ان الخوض في حكاية الأستاذ أحمد معارف لا تحتاج الى اسهاب فهي مشابهة لحكاية الأستاذ سعيد ملكي حيث بقي اسمه كما هو (احمد معارف) ولم يتغير ولم يناديه أيّ من ابناء العمارة يوماً ما بـِ ( أحمد تربيه) ولم يصدر بحق تغيير اسمه  أي ( مُـرْ.. سُـمْ  جمهوري) أو قرار من أحد  مجا لس قيادة (الثــُـورْ..آتْ) أو مجا لس (البَـله..دَ يّـات) السابقات.
    والآن..ومن أجل إعادة ثقافة عودة الفروع الى الأصول!؟ أخاطب الأخ محافظ  العمارة ومجلس المحافظة وأهاليها الكرام جميعاً ان يعيدوا النـظر في تسيمة هذا الشارع التراثي الرشيق ويعيدوا إليه اسمه العـتـيد ( شارع المعارف ) والغاء تسميته بشارع التربيه . فأهالي مدينتي الأفاضل ليسوا بحاجة الى تربية بقدر احتياجهم الى المعرفة فلا تربية بدون معرفة .. وليس هنالك من شخص او مجموعة او شعب او أمة وصلت الى تمام المعرفة ... فالمعرفة  بحر ... لا بل محيط  ليس له نهاية منظورة.. وكلي ثقة من ان اصحاب القرارمن أبناءبلدتي يدركون جديّة هذا الـنداء  ز    ( فـَ  كُـلـّـهُـمُ حيــــاة لِمَـن يُـنادي؟ )
        وهُـم أحرص مني على إحياء تراث مدينتنا العمارة الحبـيبة
            ﭬـيـنـيـسيا العراق .. وَ ماسـتــه

                          صحيفة المشرق العدد 1332
    الأربعاء 10 أيلول 2008

                  الرحمــ داود ــاني
                   drahmani2004@yahoo.com      
     
                                                     


     

    © 2009 - 2013 Sharjahmisan.com All rights reserved
    Designed by Sillat Media & Managed by Ilykit